لما كان علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأعظمها قدراً، وأكثرها نفعاً، ولا يستغني عنه طالب العلم؛ لما له من أثر في توسيع أفقه الفكري، وجعل صدره يتسع للمذاهب المختلفة، والآراء المتنوعة، ويدرك بدراسته أن اختلافات العلماء لم تكن لمجرد الاختلاف، أو لاتباع الهوى، أو للتكاثر بالعلم والأتباع، بل قامت على أسس وأصول علمية موضوعية، اتخذها العلماء وسيلة في اجتهادهم للوصول إلى حكم الله تعالى، فيما يعرض لهم من مسـائل، كان لابد لي من اختيار بحث في أصول الفقه، بعد أن حصلت على الماجستير في الفقه، فوفقني الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فاخترت هذا المخطوط؛ لما له من أهمية بالغة، وفوائد جمّة في تأصيل المسائل الشرعية، وبنائها على قواعد متينة، وهو:
’لباب المحصول في علم الأصول، أو: مختصر المستصفى‘
لابن رشـيق، الحسـين بن أبي الفضائل عتيـق بن الحسـين، المتوفى سـنة (632ﻫ)، وهو عبارة عن مائتين وسـبع أوراق من القطع الكبير. جمع فيه غالب أبواب هذا العلم.
* أسباب اختياري لتحقيق المخطوط:
بالإضافة إلى ما ذكرت: وجدت أن هناك أسباباً تشجعني على اختيار التحقيق في هذا العلم، ولهذا المخطوط، منها:
1 ـ القيمة العلمية لأصل الكتاب ـ ’المستصفى‘ للغزالي ـ واهتمام العلماء بتدريسه وشرحه واختصاره، حتى أصبح المعوّل عليه عند الشافعية وغيرهم، مع كونه أهم الكتب الأربعة التي يدور عليها علم أصول الفقه على طريقة المتكلمين، وكونه مرجعاً مهماً لكثير من العلماء الذين أتوا بعده، حتى إنه قلّ أن يخلو كتاب من النقل عنه، والاعتماد عليه.
2 ـ قلة كتب المالكية في أصول الفقه؛ حيث يعد هذا المختصر إضافة مهمة إلى أصول المالكية، ومرجعاً مهماً لآرائهم وأدلتهم.
3 ـ كونه من المختصرات القديمة للمستصفى عند المالكية.
4 ـ كونه حسن التبويب والترتيب، وما لعبارته من اليسر، وسهولة الفهم، وما لأسلوبه من الجودة والرصانة، وشموله لأغلب مسائل الأصول.
5 ـ رغبتي في دراسـة أصول الفقه دراسـة معمقة؛ لفهم ومعرفة هذا العلم الجليل، الذي يساعد في فهم المسائل الفرعية، والجزئيات الفقهية، وهذا لا يتحقق لي إلا بتحقيق ودراسة كتاب كامل في هذا العلم، فالتحقيق يكسب الباحث الإحاطة والدقة؛ لاحتياجه إلى مزيد من المتابعة، والرجوع إلى أمهات المصادر في مختلف العلوم.
6 ـ إحياء كتاب من الكتب التراثية، وإخراجـه إلى حيز الوجـود والإفادة؛ لينتظـم إلى جانب أمثاله في مكتبة الكتب المطبوعـة والمتداولة بين طلاب العلم ورواد البحث؛ لتحظى المكتبة الإسلامية به، وليحقق الغرض المنشود من تأليفه.
فهذا الكتاب الذي أقدمه ’لباب المحصول في علم الأصول، أو: مختصر المستصفى‘ واحد من نتاج الفكر الإسلامي، يتعلق بأهم المباحث الشرعية التطبيقية.
ولهذا عقدت العزم ـ مستعينة بالله عز وجل ـ على تحقيق هذا الكتاب، والتعليق عليه، مع دراسة للمنهج الذي سار عليه ابن رشيق في اختصاره للمستصفى، ولمحة عن حياة كل من الغزالي، وابن رشيق، والعصـر الذي وجدا فيه، وغير ذلك مما سيأتي ذكره وبيانه.