دار النوادر
دار النوادرFacebookTwitterLinkedInGoogle
مفهوم الهدى في القرآن الكريم
مفهوم الهدى في القرآن الكريم
الحمد لله الذي عـمَّ فضـله جميع الكائنات، والصـلاة والسـلام على المرسل رحمة للعالمين.
وبعد:
إن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الذي أنزلـه على نبيـه محمـد بن
عبدالله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً وتبياناً لكلِّ شـيء؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وهو أصل الأصول، ومفتاح العلوم. وفيه قـال الله تعالـى: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين(15) يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾[المائدة: 15 ـ 16].
نزل بعد طول أمدٍ عاشت فيه البشـرية في ضنك وشقاء، وفي تعاسـة وصراع، الحق عندهم للقوة، والحَكم بينهم الهوى، الجهل يأسرهم، والعصبية تُمزِّق أوصالهم، والحروب قضَّت مضاجعهم، حتى اسودَّت في أعينهم الدنيا، وأظلمت الحياة، وانقبضت القلوب.
اعتاد الناس هذه الصورة من الحياة، وحسبوها حقيقةً سرمديةً لا تتغير، إلا رجلاً من قريش في براءة فطرية لا يُصدِّق ما يحدث أمامه من ظلم وتعسُّف وهضم للحقوق، وقبل ذلك وبعده: عبادة أوثان وتقديس أحجار... فانسابت إلى قلبه الحقيقة من بعد تأمل، وتيقَّن أن الواقع ليس كما يجب أن يكون.
وبعد الاختيار والإعداد الرباني لهذا الرجـل العظيم، جاءه الوحي من ربه ليكشف له زيف الأمور ومقدار انحراف ذلك الواقع عن منهج الله، فكان القرآن حقاً وصدقاً بلسماً للجراح، ودواءً لكلِّ داء، كان رحمةً وشفاءً لما في الصدور، وكان موعظةً وذكرى.
كان نوراً.
وكان بياناً وبينة.
وكان هدىً يهدي به الله من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتبا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد﴾[الزمر: 23].
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ هدى الله، وقام بما ينبغي أن يقوم به خير قيام إرشاداً وبياناً، حيث دعا الناس إلى اتباع (الهدى) المنزل من عند الله، وبشَّر وأنذَر، ورغّب ورهّب، فقال عليه الصلاة والسلام: ’كتابُ الله فيه (الهدى) والنور، من استمسك به وأخذ به كان على (الهدى)، ومن أخطأه ضلَّ‘.
فكان من الناس قوم اتبعوا (الهدى) فأفلحوا، وكان منهم آخرون أعرضوا فخابوا وخسروا.
وهكذا كلُّ الناس بعد وفاة الرسول المعظم إلى يوم الدين: إما مهتدٍ يزيده الله هدىً، وإما ضالٌّ صادٌّ عن (الهدى) يضلُّه الله ضلالاً مبيناً، بعد أن أُقِيمت عليه حجةُ البلاغ فسمع الحق ووصله البيان: ﴿ﯨوما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾[الإسراء: 15].
ولقد كان للقرآن الكريم أثـرٌ بالغٌ في اهتـداء المهتدين؛ إذ به عرفـوا الحق، وانكشف لهم ما كان مستوراً بين طيّات الجهل وحُجُب العصبية، حيث عرفوا ربهم، وتبينوا واجبهم ووظيفتهم في الحياة وما هم إليه صائرون بعد الموت. وبالقرآن الكريم بنوا حضارة، وأسَّسوا دولة، وصنعوا حيـاة في ظـل العبودية الحقة لله تعالى؛ لأن القرآن الكريم فيه الهداية للعقل والهداية للقلب والهداية للوجدان، كما فيه الهداية لكل خير في التصور والسلوك والأخلاق: ﴿إن هذا القرءان يهده للتي هي أقوم﴾[الإسـراء: 9] للتي هي أقوم في العقيدة، والسلوك، والحضارة.
ولهذا الغرض قوَّى النبي صلى الله عليه وسلم صلة المسـلمين بالقرآن الكريم، وتلقَّاه الصحابة بالتقديس من أجل التنفيذ، ثم اهتمَّ به العلماء من بعدُ واعتنوا به عناية خاصة، حتى أنه لَيَفْدِيه الواحد منهم بنفسه وماله كما فعل الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله في فتنة خلق القرآن.
اعتنوا به بالتعلُّم والتعليم، وبالدراسة والتفسير، فتفتقت عنايتهم به عن علوم كثيرة تدور كلها حول خدمة كتاب الله تعالى باعتباره الأصل الأصيل، ومنبع العلوم، والأساس في صياغة الشخصية المسلمة الفردية والجماعية، بل إنه يقدِّم الأسس المتينة لبناء حضـارة إسـلامية عظيمة؛ لذلك فدراسـته إسهام في هذا البناء الحضاري من حيث إنها بيان لأصول البناء وكيفيته التي منها تشع الحضارة ويكتمل الصرح. ومن ثَمَّ: فإن أيَّ دراسة لكتاب الله جل جلاله تكتسب قيمتها من قيمة هذا الكتاب العظيم، سواء أكانت دراسة للمعاني، أم دراسة للجمل أو للكلمات أو للحروف، أو لاستخراج الأحكام والتعاليم... أيّاً ما كانت الدراسة فهي ذات أهمية عظيمة وقدر جليل، خاصة إذا جمعت بين كل ذلك أو بين أكثـره: تبحث في اللفظ القرآني لتحـدد معنـاه، وفي المصطلح لتعطيه تعريفاً، وبين هذا وذاك تنظر في كل ما يخدم هذا المقصد من حروف وجمل وآيات وأحكام... تنظر في المكي والمدني من القرآن، وفي الناسخ والمنسوخ، وفي ترتيب النزول، وفي المحكَم والمتشابه... تحصي وتُصنِّف، تثير القضايا وتجيب عن الأسئلة.
ولعل من أعظم الدراسات التي أثارت انتباه العلماء الأولين ـ مع تفاوت بينهم ـ دراسـة اللفظ القرآني من خلال البحث في تعريفـه، لما يثيره غيـاب التعريف الدقيق من خلط بين المفاهيم وغموض في المعاني، خاصة وأن القرآن الكريم يمثل ـ بحق ـ المجال القوي للإعجاز في استعمال الألفاظ وتوظيفها، وتوسـيع دلالاتها أو إعطائها دلالات جديدة تختلف بها عما عُرفـت به في المجال اللغوي العام. من ثَـمَّ فتح القرآن الكريم للعقليـة الإنسـانية أبواباً معرفيةً جديدةً مفتاحها المصطلحات الجديدة، على اعتبار أن كل مصطلح يحمل من وجهٍ قضيةً معرفيةً كبرى، ومن وجهٍ آخر ينطوي على بُعدٍ نفسيٍّ يتجلى ’فيما يحمله المصطلح من طاقة تأثير على النفوس، من شأنها أن تُعبئها لاستيعاب المعاني التي وضعتها استيعاباً إيمانياً عميقاً، وأن تستنفرها للعمل من أجل تطبيقها في الواقع‘.
ومن هنا تتبين أهمية تحديد المصطلحات القرآنية في تأطير المعرفة الإسلامية بحدود الشـرع، وسـلامتها من الشطط، وضمان هدايتها للسلوك القويم والعمل الصـالح؛ لأن صـلاح العمل من سـلامة العلم والمعرفة من الخلل، وهذه مترتبة على سلامة المصطلحات الحاملة لها من سوء الفهم.
كما أن الصَّدى النَّفْسـي للمصطلح له دور كبير في تقويـة هذا العمـل وإذكاء روح الفاعلية فيه.
ومعنى ذلك: أن حُسن فهم وتحديد معاني المصطلحات رهين بكيفية تناولها والتعامل معها، أي: يتوقف على الطريقة المتَّبعة لوضع تعريف معين لأي مصطلح، أو هو رهين بطبيعة المنهج المتبع لاستخلاص التعريف ووضع الحد.
ومن ثَمَّ: فإن تعريف المصطلح ليس ككل تعريف، إنه تعريف منبثق عن إعمال منهجٍ له أدواته وخطواته ومراحله وأهدافه، وفق خطة محكمة، لهذا فهو تعريف متميز بتميز المنهج الذي يوصل إليه، تعريف محكَم بقدر إحكام إعمال هذا المنهج، وأعتبر أن منهج الدراسات المصطلحية المعمول به في معهد الدراسـات المصطلحية ـ التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسـانية بظهر المهراز بمدينة فاس، ـ قد استوفى قدراً كبيراً من هذه الشمولية، وأصبح من المناهج الرائدة في هذا الصدد.
فبهذا المنهج ومن خلال قواعده النظرية ومقتضياته الإجرائية العملية تَمَّ تعريف مصطلح (الهدى) في القرآن الكريم والحديث الشريف، بتحديد دلالته في الاستعمالين القرآني والحديثي إسهاماً في دعم محاولات الضبط الدلالي لألفاظ كتاب الله تعالى، وخصوصاً لفظ (الهدى)، على اعتبار أن هذا الضبط حصنٌ حصينٌ من الشطط الواقع في تحديد مفاهيم مصطلحات شرعية كثيرة، ومانعٌ من كثير من الانحراف التصوري والفكري والسلوكي الذي يقع بسبب ذلك الشطط. وهذا ما يبرز الأهمية الكبرى للبحث في مفهوم (الهدى) في القرآن والحديث.
   المجموعةمجموعة جائزة دبي للقرآن الكريم
   الناشردار النوادر
   عنوان الناشردمشق
   سنة النشر (هجري)1432
   سنة النشر (ميلادي)2011
   رقم الطبعة1
   نوع الورقكريم شاموا
   غراماج الورق40
   مصدر الورقياباني
   قياس الورق17×24
   عدد المجلدات1
   الغلاففني
   تأليف/تحقيقتأليف
   تصنيف ديوي
USD0
https://daralnawader.com/مفهوم-الهدى-في-القرآن-الكريم
 تحميل
 كلمات مفتاحية
 تعليقات الزوار
حمود : 

أشكرك على الجهود المبذولة وبارك الله فيك

2014-05-20 11:48:41 am
mohammed: 

merci beaucoup

2014-05-20 11:48:41 am
محمد0225: 

Slideshow XL 10.5.1

2014-05-20 11:48:41 am
خالد: 

شكرا لكم

2014-05-20 11:48:41 am
علي الوزاني: 

دراسة قيمة من باحث مقتدر
هنيئا لنا بهذه الدراسة المفيدة
وهنيئا لأخينا الدكتور الحبيب مغراوي
مع خالص التحيات

2014-05-20 11:48:41 am
محب: 

السلام عليكم
متى سيتم نشر الكتاب كاملا وشكرا

2014-05-20 11:48:41 am
اسم المستخدم
كلمة المرور
 مشاركة