دار النوادر
دار النوادرFacebookTwitterLinkedInGoogle
الصناعة الحديثية عند الإمام عبد الحق الإشبيلي في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال كتابة الأحكام الكبرى (24)
الصناعة الحديثية عند الإمام عبد الحق الإشبيلي في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال كتابة الأحكام الكبرى (24)
إنَّ عِلْمَ الحَدِيْثِ مِنْ أشرفِ علومِ الإسلامِ وأَهَمِّهَا، وَقَدْ عبَّرَ الإمامُ الشوكانيُّ عَنْ هـذِهِ الأَهَمِّيَّةِ فَقَاْلَ: ’فَمَنْ عَرَفَ الفنـونَ وَأَهْلَهَا معرفةً صحيحـةً لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ شَكٌّ أنَّ اشتغالَ أهلَ الحديثِ بِفَنِّهِم لا يساوِيْهِ اشتغالُ سائرِ أهل الفنون بفنونهم، ولا يقاربه؛ بل لا يعد بالنسـبة إليه كثير شيءٍ‘؛ وذلك لأنَّ اشتغالَهُم بالحديثِ اشتغالٌ بوحي اللهِ تعالى لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ)، يعني: السُّنَّة، فالاعتناءُ بها، والتحريضُ على حفظها ونشرها وفهمهما والعمل بها، من النصيحـة لله تعالى، ولكتابـه، ولرسـوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وَهي الأسَاسُ التي يَقُوْمُ عَلَيْهَا نَظَرُ الفَقِيْهِ؛ لِيَبْنِيَ عليها اجتهادَه، فإنْ لَمْ يَتَبَيَّن لَهُ ما صحَّ منها مَمَّا لَمْ يَصحْ فَعَلَى أيِّ أساسٍ سَيُقِيْمُ بُنْيَانَهُ؟
وَقَدْ عُدَّ معرفة ما يثبت من الحديث مما لا يثبت شرطاً في المجتهد والمفتي، قال عبد الرحمن بن مهدي: ’لا يجوز أنْ يكون الرجلُ إماماً، حتَّى يعلمَ ما يصح مما لا يصح، وحتَّى لا يحتج بكلِّ شيءٍ، وحتَّى يعلمَ بمخارجَ العلمِ‘.
ونظم بعض أهل العلم هـذا المعنى بأروع الكلام كأبي عبدالله الحميدي فقال:
زينُ الفقيهِ حديثٌ يستضاءُ بهِ
عِنْدَ الحِجَاجِ وإلاَّ كانَ فِيْ الظُّلَمِ

وأنشد أبو الظهير فقال:
إِذَاْ رُمْتَ أَنْ تَتَوَخَّى الهُدَى
وَأَنْ تَأْتِيَ الحقَّ مِنْ بَابـِهِ

فَدَعْ كُلَّ قَوْلٍ وَمَنْ قَالَهُ
لِقَوْلِ النبيِّ وَأَصْحَابـِهِ

فَلَمْ تَنْجُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الأُمُوْرِ
بِغَيْرِ الحدِيْثِ وَأَرْبَابـِهِ

وَمَنْ دَرَسَ أحوالَ السابقينَ واللاحقينَ مِنَ الفِرَقِ المنتسبةِ إلى أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وَدَرَسَ مَنَاهِجَهُمْ وَعَقَائدَهُمْ وأَفْكَارَهُمْ بِإنْصَافٍ وَفَهْمٍ وَتَجَرُّدٍ لوجد أنَّ أهلَ الحديثِ هُمْ أشدُّ الناسِ اتِّبَاعاً وَطَاعةً وتعلقاً وارتباطاً بما جاءَهُمْ بِهِ نَبـِيُّهُمْ محمدٌ صلى الله عليه وسلم كتاباً وسـنةً، في عقائِدِهِمْ وعبادَاتِهِمْ ومعاملاتِهِمْ ودعوتِهِمْ واستدلالِهِمْ واحتجاجِهِمْ، ثابتونَ في أصولِ الدينِ وفروعِهِ عَلَى ما أنزَلَهُ اللهُ وَأَوْحَاهُ، وَهُمْ عَلَى غايةٍ مِنَ الثقةِ والطمأنينةِ بأنَّ هذا هو المنهجُ الحقُّ الذيْ لا يأتيهِ الباطلُ من بينِ يديهِ ولا مِنْ خلفِهِ، وأنَّه الطريق السليم والصراط المستقيم، ولا نقول هذا مبالغة أو دعاوى مجردة، وإنَّما نقول الواقع الذي تشهد له نصوص القرآن والسنة، ويشهد له التاريخ، وتشهد به أقوالهم وأحوالهم ومؤلفاتهم.
ولقد برهنت أعمال المحـدثين وجهودهم وما خلفوه من تراث عظيم على عبقريات عظيمة، وقرائح متوقدة، وعقول خصبة قادرة على تنويع العلوم إلى حدٍّ تحار فيه الألباب؛ ولذا تفانوا في خدمةِ الحديثِ رواية ودراية؛ لقولِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم: ’نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ‘، وفي لفظ: ’نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ‘.
فقوله صلى الله عليه وسلم: ’كَمَا سَمِعَهُ‘ يعطي مفهوماً دقيقاً، وهو: ضرورة التحرز والحذر في نقل الصحيح؛ ليؤديـه كما سمعه من غير زيادة ولا نقصان، ولاشـك أنَّ هذا يتطلب الجـد والمثابرة، وتحمل الصعاب الشـداد في سـبيل تحصيله والمحافظة عليه؛ ولهذا كانت مواقفُ الصحابةِ رضوان الله عليهم فِيْ نقدِهِمْ لمنقولِ رواياتِ أقرانِهم معروفةٌ مشهورةٌ، حتى إنَّ عبدَاللهِ بن عباس رضي الله عنه لمَّا فَطِنَ لوقوعِ الكذبِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَرَكَ روايةَ أَهْلِ التهمةِ والريبةِ، وكانَ يقولُ: ’إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَـدِيثَ وَالْحَـدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا إِذْ رَكِبْتُمْ كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فَهَيْهَاتَ‘.
وهكذا اشتهرت الدعوةُ بين الصحابةِ الأفاضلِ رضوان الله عليهم إلى ضرورةِ حفظِ السُّنَّةِ ونشرِهَا، وبذلك كانوا أوَّل حرَّاس الأرضِ على السُّنَّةِ النبويةِ.
ثم جاء بعدهم عصر التابعين، ولم يكن التابعون وأتباعهم أقلَّ اهتماماً من الصحابة بالاحتياط لقَبول الحديث، فكانوا يَتَثَبَّتُوْنَ من الراوي بكل وسيلةٍ تطمئن إليها قلوبهم، وساروا على نهج من سبقهم، يبحثون ويفتشون عن الحديث سنداً ومتناً إلى أنْ توسعت رواية الحديث ونقده، وعمَّ أصقاعاً كثيرة من الأرض لاسيما في حدود القرن الثالث من الهجرة، فدُوِّنت المصنفات، وتشعَّبت علوم الحديث، وتنوَّعت طرائقه، وبدأ التفنن في صياغة مواضيعه ومصطلحاته.
ومن المعهود عادةً أنَّ اصطلاحات العلوم تتأخر عن نشأة العلم؛ لأنَّها تبدأ في أول أمرها علوماً تطبيقية غير مؤصلة تأصيلاً نظرياً، ويطلق عليها في مبدأ النشأة عبارات عدة للدلالة على ذلك المفهوم حتى ترسو.
وشأن المصطلحات العلمية الدقيقة يستقر بعد الاسـتقراء التام، والكشـف عن وجـوه المسالك ومناهج الاسـتدلال، وترتيبها وفق قواعد منضبطة، وأصول محكمة، تمثل المعيار الذي يحتكم إليه، والمسـار الذي يعول عليه في صياغات محددة الدلالة.
وهكذا تضافرت جهود أئمة الإسـلام على تمييز صحيح السـنة من سقيمها إلى زماننا هذا، واشتدَّ سـاعد الجد في تحرير وتطبيق قوانين المصطلح، وترميم ما يحتاج منها إلى ترميم، وبناء ما يحتاج منها إلى بناء، إلى أنْ بـرز في ذلك أئمة جهابذة أفذاذ لتنقيح ما أُدخل على حديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس منه، فنفوا عنه تحـريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وبذلك تطور منهج النقد وازداد وضوحاً حتى بلغ ذروته.
وكان لعلماء الأندلس دور متميز في إثراء مادة الحديث، ومشاركة فعَّالة منذ أنْ ترعرعت حركة الحديث في تلك البلاد، وإلى أنْ تميزت بمدرسة المغاربة.
وتدرَّجتْ فيها المصنفات من أجزاءٍ مفردةٍ إلى كتبٍ جامعةٍ تغطي جميع فنون علم الحديث، وكان من روَّاد حركة التجديد فيها، وإحياء منهج السلف بها روايةً ودرايةً الإمام الحافظ عبد الحق الإشبيلي، وهو موضوع دراستي، وذلك من خلال كتابه العظيم ’الأحكام الكبرى‘؛ وقد قال عنه الإمام الذهبي: وسارت بأحكامه الصغرى والوسطى الركبان وله أحكام كبرى‘.
وكنت أسعى من خلال الكتابة في هذا الموضوع إلى تحقيق هدفين اثنين:
أولهما: بيان المَلَكَة النَّقدية عند الإمام عبد الحق الإشبيلي، وذلك من خلال الكشف عن آرائه وأصوله العلمية التي بنى عليها جانب تقييم الرواية من حيث القَبول والرد سنداً ومتناً، ومن ثمَّ القيام بدراستها وتحليلها على وفق أصول أهل الشأن.
ثانيهما: جمع أكبر قدر ممكن من هذه الآراء، وتلك الإسهامات والإضافات العلمية التي تضاف إلى هذا الفن، وكيفية توظيفها والتعامل معها في ميدان توثيق الرواة ومروياتهم، بما يؤكد شموليتها وسـلامتها، وصحة المنهج المتبع فيها من حيث الكفاية والأسلوب والغاية؛ ليكون ذلك مفتاحاً لما استغلق من كلام الأئمة المتقدمين.
وفي ضوء تحديد هذين الهدفين تبرز قيمة الموضوع العلمية، وتتضح أهميته في تقريب مسلك الإمام الحافظ عبد الحق الإشـبيلي، ودوره في خدمة الحديث وعلومه روايةً ودرايةً.
   المجموعةمكتبة الرسائل الجامعية العالمية
   الناشردار النوادر
   عنوان الناشردمشق
   سنة النشر (هجري)1433
   سنة النشر (ميلادي)2012
   رقم الطبعة1
   نوع الورقكريم شاموا
   غراماج الورق70
   مصدر الورقياباني
   قياس الورق17 × 24
   عدد المجلدات2
   عدد الصفحات904
   الغلاففني
   ردمك9789933459796
   تأليف/تحقيقتأليف
   تصنيف ديوي
USD32
https://daralnawader.com/الصناعة-الحديثية-عند-الإمام-عبد-الحق-الإشبيلي-في-تصحيح-الأحاديث-وتعليلها-من-خلال-كتابة-الأحكام-الكبرى-(24)
 تحميل
 كلمات مفتاحية
 تعليقات الزوار
حمودة الأسواني: 

أحتاج الكتاب

2014-05-20 11:48:41 am
حمودة الأسواني: 

أحتاج لهذا الكتاب


2014-05-20 11:48:41 am
سليمان: 

شكرا

2014-05-20 11:48:41 am
اسم المستخدم
كلمة المرور
 مشاركة